الحطام الفضائي –إزعاجٌ سالف وتهديدٌ ماثل

13 مارس 2017
الحطام الفضائي –إزعاجٌ سالف وتهديدٌ ماثل

يطوف في مدار كوكب الأرض أكثر من نصف مليون قطعة من النفايات الفضائية لمركبات ومواد صنعها الإنسان، وهي المواد التي يُشار إليها باسم الحطام الفضائي أو المخلفات المدارية، وتتراوح قياساتها بين حجم الحافلة المدرسية والدبوس الإبهامي للتثبيت. يتكون الحطام الفضائي في العادة من خليط نفايات ومخلفات مركبات فضائية معطلة مثل أجزاء صواريخ الدفع وبقايا المراحل العلوية من مركبات الإطلاق التي تُهمَل بعد استخدامها، إضافة إلى المعدات التي تُفقد أثناء ممارسة الأنشطة خارج المركبات، مثل السير في الفضاء الخارجي.

يستخدم العلماء أجهزة الرادار والتلسكوبات لمتابعة مسالك قطع الحطام الفضائي في المدار حفاظاً على سلامة رواد الفضاء والمركبات على حد سواء، وتتم المتابعة بالتسجيل الدقيق لعدد القطع التي يزيد حجمها عن 10 سم في سجل خاص مع بيان مداراتها أو زوايا مساراتها. لقد تم وضع بيانات أكثر من 21 ألف قطعة من تلك المخلفات في كتالوج خاص، مع تحديد مسالكها. تُستخدم مثل هذه المعلومات عادةً لعمل التقدير المبدئي لعدد القطع الأصغر المكوِّنة للحطام الفضائي، وهي التي يتعسر كشفها أو رصدها، وقد قدّر العلماء عدد الجسيمات التي يبلغ قطرها من 1 – 10 سم بحوالي نصف مليون قطعة، بينما قدّروا عدد الجسيمات التي يقل قطرها عن 1 سم ما يفوق 100 مليون قطعة.

هناك تناسب طردي بين طول الفترة الزمنية التي تبقى فيها الجسيمات المكونة للحطام الفضائي ومدى بُعدها في مداراتها بالنسبة لسطح الأرض، فقطع الحطام التي تطوف في مدارات يقل ارتفاعها عن 600 كم تسقط إلى الأرض خلال سنوات قليلة، والتي على ارتفاع 800 كم تظل عشرات السنوات قبل أن تتحلل أو تتضاءل أحجامُها. أما المخلفات التي تجول في مدارات يزيد ارتفاعها عن 1000 كم فسوف تستمر عادةً في الدوران حول كوكب الأرض لمائة عام أو تزيد.

يدور الحطام الفضائي في المدار الأدنى (أقل من ألفيّ كم) حول الأرض بسرعات تبلغ سبعة كيلومترات في الثانية الواحدة، علماً بأن متوسط سرعة اصطدام الحطام الفضائي مع جسم فضائي آخر قد تتجاوز 10 كيلومترات في الثانية، وهذا معناه أن الاصطدام بقطعة صغيرة من المخلفات قد تتسبب في حدوث أضرار كارثية. إن احتمال تصادف اصطدام جسمين كبيرين، يفوق قياس قطر كل منهما 10 سم، هو أمر ضئيل جداً، إلا أنه وارد الحدوث مثلما وقع في عام 2009م عندما اصطدم قمر صناعية روسي بالمصادفة مع قمر صناعية أمريكي.

إذن، أين يكمن التهديد الماثل؟  قد نعدّ الأفلام السينمائية مثل فيلم "جرافيتي" تجسيداً مبالغاً فيه للتهديدات التي تمثلها قطع الحطام الفضائي، إلا أن المخاطر المحدقة صارت حقيقية وتتزايد احتمالات وقوعها. لقد أصبح تحديد حسابات مسارات مركبات الإطلاق بعناية من الأمور البديهية لتجنب الاصطدام مع آلاف الأقمار الصناعية المهملة والمخلفات الأخرى التي تطوف في مدارات حول الأرض. أصبحت الأقمار الصناعية تُجهَّز قبل إطلاقها بدروع للحماية من الاصطدام بقطع الحطام الفضائي مثل "درع فريد ويبل" وهو درع مصمم لحماية المركبات الفضائية المأهولة وغير المأهولة من أثر الاصطدام بقطع النيازك المتناهية الصغر والمخلفات المدارية التي تتراوح سرعاتها المتجهة الفائقة ما بين 3-18 كم في الثانية الواحدة. إن التهديد الحقيقي الماثل سببه العدد المتزايد للأجسام التي تُطلق في الفضاء الخارجي وتزايد احتمالات تتابع التصادم بسبب هذا الازدحام أو بمعنى أدق حدوث ما يُسمى بمتلازمة أو محصلة كيسلر التي يحدث فيها الاصطدام وفق متوالية تزامنية معينة.

في عام 1978م، طرح عالم ناسا دونالد جيه كيسلر اقتراحه المسمى "متلازمة كيسلر" للنقاش، حيث عرض فيه سيناريو محتملاً تزيد فيه كثافة الأجسام التي تهيم في المدار الأدنى للأرض بحيث يتسبب التصادم فيما بينها في توالي اصطدام الأجسام الفضائية ببعضها وتكون محصلته تزايد حجم الحطام الفضائي فتزيد معه احتمالات وقوع اصطدامات متوالية. إنها مجرد مبالغة بسيطة تفوق الحقيقة وتتعدى واقع الحال، لكنها من الناحية النظرية تثبت أن تفريق الحطام في المدار وزيادة كثافته قد يصلا إلى نقطة يصبح عندها الاستمرار في ممارسة أنشطة صناعة الفضاء واستخدام الأقمار الصناعية في نطاق مدارات بعينها أمراً غير مُجدٍ لفترات طويلة لاحقة.

وعلى الرغم مما سبق، فإن الكثير يتم عمله لضمان بقاء متلازمة كيسلر في حجمها الحالي بوصفها مجرد نظرية لا أكثر. إن الدول وبرامج الفضاء حول العالم تعمل جاهدة من خلال إجراءات الوقاية والخفض والمعالجة لإبطاء نسبة زيادة حجم الحطام الفضائي ومحاولة مناقضة الاتجاه الحالي المتصاعد نحو زيادة نسبة احتمالات التصادم (يتم سنوياً إطلاق أكثر من 100 قمر صناعي في المدار حول الأرض).

تتطلب إجراءات الوقاية ضمان تجهيز جميع مركبات الإطلاق والأقمار الصناعية بأجهزة موجبة أو سالبة تسمح بالتخلص من المركبات عند انتهاء عمرها التشغيلي الافتراضي، ومعنى ذلك بعد اتباع إجراءات السلامة، تجهيز المركبات بقدرات تقودها إلى الغلاف الجوي للأرض حيث تحترق تماماً بمجرد دخولها إلى نطاق الغلاف. مازالت هذه التقنية قيد التطوير وتشمل الأفكار المتداولة تركيب أجهزة مثل البالونات أو الأشرعة الفضائية أو سلاسل تقييد الحركة.

أما إجراءات الخفض والحد من احتمالات التصادم فتعني تعقب مسارات عموم الحطام الفضائي الحالي ومحاولة الحدّ من عدد مرات التصادم المحتملة مستقبلاً، إضافة إلى تنفيس أوعية الضغط وخزانات الوقود وتفريغ البطاريات للوقاية من انفجارها في الفضاء الخارجي. يُعدّ تعقب المسارات واحداً من الإجراءات الروتينية الأساسية المتبعة حالياً في كثير من برامج الفضاء، كما أن التوجه نحو التنفيس والتفريغ بدأ تطبيقه فعلياً نظراً ليسر تنفيذه نسبياً.

يتبقى أخيراً خيار معالجة الحطام وهي العملية ذات الحلول الأكثر تعقيداً من الأخريين نظراً للتزايد المستمر في حجم الحطام الفضائي. المقصود بعملية المعالجة الإشارة إلى رفع المخلفات التي تدور في الفضاء والتخلص منها. يتم حالياً تطوير التقنية التي ستسمح بإزالة المخلفات من المدار، لكن هناك منظمات مثل وكالة الفضاء الأوربية شرعت بالفعل في تطبيق تقنيات للتعامل مع هذا التحدي. تدرس مبادرة الفضاء النظيف التي أطلقتها وكالة الفضاء الأوروبية إطلاق مهمة لإزالة الحطام أسمتها: إي. ديوربت e.Deorbit، التي تستهدف الإمساك بقمر صناعي في المدار القريب من الأرض وإحراقه وفق أصول السلامة عند إعادة إدخاله للغلاف الجوي الأرضي في ظروف يتم التحكم فيها بالكامل. تُعدّ مبادرة إي. ديوربت e.Deorbit أول مهمة عملية عالمية لإزالة الحطام الفضائي.  

لنضع مبادرة إي. ديوربت e.Deorbit جانباً الآن، ونركز على الإرشادات غير الإلزامية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة بخصوص الحدّ من الحطام الفضائي. تعتمد هذه الإرشادات على مبادئ مشتركة مثل حظر التفكيك في المدار، وتخفيض عدد الأجسام التي يتم إطلاقها في الفضاء أثناء العمليات الاعتيادية، وإزالة المركبات الفضائية والمراحل المدارية التي تصل إلى نهاية عملياتها بعيداً عن المناطق المدارية المزدحمة بالمعدات المفيدة التي مازالت في طور التشغيل الفعلي.

تدرس وكالة الإمارات للفضاء حالياً إصدار تشريع حول الحد من الحطام الفضائي يماثل في محتواه الإرشادات غير الملزمة السابق الإشارة إليها. أما خارج دولة الإمارات، فنرى سياسات متنوعة حول الحطام الفضائي تتبناها الكثير من المنظمات والحكومات المشاركة في صناعة الفضاء، فقد أصدرت وكالة ناسا، ووكالة الفضاء الأوروبية ودول روسيا واليابان والصين وفرنسا إرشادات حول الحد من الحطام الفضائي، إلا أن القطاع الخاص في صناعة الفضاء ما زال يمارس الرقابة الذاتية وينظم نفسه بنفسه حيث تلتزم مؤسسات كثيرة طوعاً بالتدابير المصممة للحد من نمو حجم الحطام الفضائي.

باختصار، مازال لدينا القدرة على إزالة الحطام الهائم في الفضاء الخارجي لكوكب الأرض، ومن خلال اتباع تقنيات الوقاية والخفض والمعالجة سوف نتمكن من ضمان استمرار استفادة الأجيال القادمة من النطاق الواسع للخدمات والمعلومات التي تزودنا بها الأقمار الصناعية التي تطوف في المدار الأدنى لكوكب الأرض.

تنويه: النسخة العربية من هذا المقال هي ترجمة للنص باللغة الانجليزية للعلم فقط، وفي حالة وجود تناقض بينهما، فإن النص باللغة الانجليزية سيسود